أستيقظ فى الصباح بمشاعر متضاربة
. من جهة كان الصباح يبعث على البهجة، ومن جهة أخرى هناك واجب ثقيل ينبغى القيام به. حلق ذقنه بعناية، نثر العطر على وجهه وملابسه
. ارتدى سترة أنيقة ومضى يتطلع إلى صورته فى رضا،
وبدأت تعاوده بهجة الصباح.
ركب سيارته السوداء الفاخرة، وبدأ رحلته إلى العاصمة الجزائرية
. زميله الذى يكبره بسنوات يعانى مرضاً مميتاً فى المستشفى
. أسوأ ما فى الأمر أنه طبيب، وبالتالى يعرف حقيقة مرضه.
تنهد من قلب شجى، ومضى يتطلع إلى الحقول الخضراء على الجانبين. الريف الجزائري يعلن روعته، والعشب يمتص قبلات الشمس،
والحياة جميلة فعلا ولا جدوى من إنكار ذلك.
فكر أنه سوف يمكث فى المستشفى ربع ساعة على الأكثر
، سيملؤها بثرثرة فارغة. سيتجنب الحديث عن مرضه،
ويتحدث وكأنما خروجه من المستشفى أمر مفروغ منه.
وربما يناقشه فى ورقة بحثية، يعلم كلاهما أنها لن تتم.
المهم أن يتجنب الكلام المحرج الذى لا طائل منه.
بعدها سوف يذهب إلى متجر شهير لبيع الأدوات الإلكترونية
. ثم يتناول غداء شهياً فى مطعمه المفضل. طالما قام بالرحلة
ينبغى أن يستمتع بها، مثلما نمارس الحياة ونحن موقنون بالموت.
ولكن ترى كيف يفكر زميله فى الأمر؟!
كان مثله يقتنى سيارة فاخرة، ويرتدى السترات الأنيقة،
ويضمخ وجهه بالعطور. كان مثله يحلم بمستقبله المهنى،
وعلى وشك أن يصبح رئيس القسم. ثم جاءه المرض بغتة.
مرض خبيث من نفس جنس الأمل. قضى على طموحه بالضربة القاضية. فى البدء تحسن قليلاً وكأنه أمل مراوغ، كقط يلهو بالفأر ويمد له حبال الأمل. ثم هيمن المرض على كل أعضاء الجسم،
ليعلن أن الحياة خسيسة حتى لو تزينت بسيارة سوداء وسترة أنيقة وأحلام لن تتحقق برئاسة قسم.
ركن سيارته. صعد إلى المستشفى. طرق الباب فى رفق.
عانقه فى حماسة. جلس على المقعد المقابل وشرع يتطلع إليه.
على الفور تبخرت كل خططه التى أعدها.
جلس زميله منطفئا راغباً عن الحديث. ساد صمت ثقيل.
تحدث عن أشياء تافهة وهو يتجنب النظر إلى عينيه.
تحدث عن القسم، عن مشاجرات الزملاء، عن نميمة السياسة،
عن أحوال البلد!، وصديقه صامت
وكأنه يتساءل:
«أنا ميت فما شأنى بهذه الأشياء!».
توقف عن الكلام تماماً وقد بدا له أن كل ذلك سخف.
أحس بما يشبه الشعور بالذنب. قام فى هدوء وكأنه يأبى أن يخدش الصمت. صافح زميله مودعاً، فمد له يدا رخوة ميتة
. غادر المستشفى وهو لا يرى أمامه. تبددت مشاريعه فى الغداء ومتعة الشراء. قاد سيارته السوداء بطريقة آلية
. وبدأ رحلة العودة على الفور.
والأفكار تعصف به، باحثاً عن تفسير للغز اسمه الحياة.
أسرة شباب المستقبل
معاً لنصلح ما افسده الاخرون