مازالت تحتفظ بهذه الذكرى كأقسى ذكرى فى حياتها.
كانت تجلس مع صديقتها الحميمة،
وطفلتها منهمكة فى ألعابها أمامها على السجادة،
وجلسة سمر لم يعد الزمان يجود بها إلا نادراً. بالفعل نسيت كل شىء. نسيت الماضى والحاضر والمستقبل.
تبادلتا ذكريات قادمة من ماض جميل مشترك، وتصاعدت ضحكات خالصة من أعماق القلب. مرت ساعات الليل بسرعة دون أن تشعر بها.
وفجأة انتبهت إلى أن زوجها قد تأخر.
قالت لصديقتها إنها ستطلبه لتطمئن عليه. وبينما هى تدق الرقم
وتستكمل حديثها لاحظت أن صديقتها تصلّبت واتسعت عيناها!
وفجأة توقفت عن طلب الرقم
وقد تذكرت كل شىء!.
■ ■ ■
آوت إلى فراشها ودموعها تخنقها. أحقا قد مات! أحقا لن تراه بعد اليوم! مازالت تذكر حزنها الصاعق حين عرفت النبأ، الحزن الذى يُسمّم الروح ويطحن القلب. فى كل صباح كانت تصحو فتجد وسادتها مبتلة بالدموع، فتعرف أنها كانت تبكى أثناء النوم.
ويكون أول ما تبدأ به اليوم هو نصف السرير الخاوى.
أهذا آخر عهدها بصوته! بلفتاته! بنبراته! برائحة أنفاسه!
بنظرة رضا فى عينيه!
كان الجميع يشفقون عليها وهى تصر على مواصلة حياتها
وكأنه سافر ولم يمت. تهتم بكل تفاصيله الدقيقة
: بكواء قمصانه،
بنوع الطعام الذى يفضله
، بطريقة تنسيق المائدة
، بملابسها التى يحبها،
بتصفيف شعرها،
بطريقة زينتها
، بكل شىء كان يدخل السرور عليه.
أمها تلومها، صديقاتها يلمنها، زملاؤها يلومونها.
لكنها كانت تعرف أن نسيانه مستحيل. الحب لمن يستحق الحب،
والوفاء لمن يستحق الوفاء.
■ ■ ■
كانت صديقتها قد انصرفت منذ وقت طويل
، وكانت تعلم أنها لن تستطيع النوم. كان شعوراً معقداً يصعب وصفه
: حزينة عليه، غاضبة منه، مشتاقة إليه. بشكل ما تشعر بأنه تخلى عنها! ولأول مرة لم تمسك بهاتفها، كما تفعل كل ليلة،
وتعيد قراءة رسائله القديمة.
ولأول مرة لا تعبث فى أرقام الهاتف حتى تشاهد رقمه الحبيب يُضىء الشاشة، وتظل تحدق فيه حتى تنام.
ورغم أنه يؤلمها كلما شاهدته، ورغم أنها تعلم أنه لن يدق ثانية أبدا،
فإن قلبها لم يطاوعها قط أن تمحوه من ذاكرة هاتفها.
انخرطت فى البكاء . بكاء لم تبكِ مثله من قبل.
وبدأ طوفان الدموع...
تحمل الأمواج سفينة عليها قميصه ومناديله،
نظارته وقنينة عطره!
وطعم قبلاته ونظرات عينيه!
هداياه التى احتفظت بها
، وابنتهما، ثمرة الحب التى جمعت قلبيهما برباط أبدى يدوم حتى آخر العمر
أسرة شباب المستقبل
معاً لنصلح ما افسده الاخرون