آخر صيحات أعراس الأثرياء في الجزائر
المهر بالأورو وكعكة الخطوبة بـ 15 طابقا
الكاليش والأحصنة في المواكب بدل الليموزين
ذهب أبيض وأحجار كريمة للزينة والذهب الأصفر أصبح موضة قديمةظهرت موضة جديدة في أعراس الأثرياء هي دفع المهر بالأورو والدولار للعروس لإظهار ترف عائلة العريس وثرائها ومستواها الإجتماعية، ليضاف ذلك إلى ظاهرة إحضار كعكة خطوبة عملاقة من 15 طابق يصل علوها إلى سقف المنزل، ليجري العروسان مراسيم الخطوبة وتقطيع الكعكة...
وظهرت موضة أخرى هي نقل العروس في سيارة مميزة لا يركبها أحد في الجزائر بعد، لأن سيارة الليموزين أصبحت موضة قديمة عند الأثرياء، أو كما يقال بالدارجة المفرنسة "ديمودي"، أما في ولايات شرق الوطن فقد أكد لنا بعض أصحاب قاعات الحفلات الذين تحدثت إليهم "الشروق اليومي" أنهم يوفرون العائلات "كاليش وأحصنة تجر الكاليش لنقل العروس يتم استئجارها من طرف أهل العريس بأسعار باهظة".
من جهته أكد المجوهراتي محمد لمين بن شلال بحيدرة في لقاء مع "الشروق اليومي" أن العائلات الثرية والنبيلة لم تعد تشتري الذهب الأصفر بل يركزون على ارتداء مجوهرات الذهب الأبيض أو مجوهرات الأحجار الثمينة كاللؤلؤ والألماس والسفير واللازورد...وغيرها، أما الذهب الأصفر فقد أصبح يعتبر موضة قديمة عند العائلات المترفة، ويشتري العريس لعروسه طقما من الذهب الأبيض مرصعا بأحجار الثمينة، بالإضافة إلى خاتم خطوبة وخاتم زواج من الذهب الأبيض والأحجار، قد تختارها العروس بنفسها وقد تختارها والدة العريس، أما قضية سفر العريس وعروسه في سفرية شهر إلى الخارج، فهي أمر مفروغ منه وغالبا مع يتكفل أحد أقارب العائلة بتسديد تكاليف شهر العسل للعريس كهدية عرسه، باعتبار أن أقارب وأصدقاء العائلة كلهم من الأثرياء، ويتهادون فيما بينهم بالملايين.
القفطان المغربي بـ 20 مليونا والفرقاني بـ 30 مليونا
ومن جهتهم أهل العروس عليهم أن يبرهنوا أن مستواهم الإجتماعي لا يقل عن المستوى الاجتماعي لعائلة العريس، وعليهم أن يتفننوا في تجهيز العروس، وانتقاء تصديرتها ومجوهراتها، ففستان الزفاف وحده يجب أن لا يقل سعره عن 25 مليونا فما أكثر، وهناك محلات كثيرة في الجزائر تبيع هذه الفساتين الباهظة في كل من حيدرة والمرادية والشراڤة ودالي ابراهيم، ويتراوح سعر بعض فساتين السهرة وفساتين الزفاف بين 22 مليونا و17، ورغم غلائها إلا أنها تلقى إقبالا عجيبا من طرف العائلات الجزائرية الثرية.
أما ثمن مجوهرات العروس فتلك حكاية أخرى، فأفقر عائلة ثرية في الجزائر لن يقل ثمن المجوهرات التي تجهز بها عروسها عن 100 مليون، وقد يصل إلى 500 مليون، وكله من الذهب الأبيض المرصع بالماس والأحجار الثمينة والمحزمات، والعقود وغيرها، وتضاف إلى ذلك الأزياء وفساتين السهرة التي تقتنيها العروس من أشهر محلات الموضة في باريس، زائد الأزياء التقليدية العاصمي والقسنطيني والعنابي والسطايفي والشاوي والنايلي.
وتصل تكاليف جهاز العروس من أفرشة وفساتين التصديرة إلى 500 مليون، فالقفطان المغربي الملكي المطروز بالطرز التقليدي اليدوي بدقة مصمم في المغرب من طرف مختصين في القفطان، ويصل سعر بعض الموديلات المغربية للقفطان التي تسوق في الجزائر إلى 20 مليونا، بالإضافة إلى جبة الفرقاني بـ 30 مليونا فما أكثر، والكراكو بـ 18 مليونا أو أكثر، وفستان الزفاف بـ 25 مليونا أو أكثر، ويصل متوسط تكاليف فرق العود والآلي والاندلوسي والعاصمي وغيرها من الفرق إلى 200 مليون أخرى أو الديسك جوكي، فقد أصبح ديمودي عند هذا الفئة من العائلات، ويصل متوسط تكاليف المجوهرات التي ترتديها العروس إلى 500 مليون، ويصل متوسط تكاليف العشاء وكراء الصالة والحلوى وما إلى 200 مليون، ويتضمن ما بين 90 و100 كبش مشوي للمدعوين، زائد أطباق الشربة بالبوراك، واللحم الحلو والسلطات المتنوعة، والمياه المعدنية والقهوة والحليب وحلوى القهوة والحليب والمسمن الذي يقدم معهما كذلك، زائد الشاي وحلوى الشاي والعصير، والمشروبات الغازية وحلوى العصير والمشروبات الغازية، إضافة والحلوى التي تقدم للمدعوين في علبة صغيرة وحدها، والحلوى الخاصة بالأطفال الصغار، وتقدر تكاليف عرس واحد عند الأثرياء ما يكفي لتزويج 100 شاب وفتاة وإسكانهم وتأثيث بيتهم.
مطرب الأعراس لا يفاوض بأقل من 50 مليونا
ويتراوح سعر استئجار قاعة حفلات فخمة من الثانية زوالا إلى غاية الحادية عشر ليلا يقدر بـ 30 مليونا، أما إذا كان العرس في أحد الفنادق الفخمة كالشيراطون والأوراسي والماركير والهيلتون فتتراوح الأسعار بين 70 و100 مليون، إضافة إلى كراء أشياء لا علاقة لها بالزفاف كخيمة صغيرة أو قربة وناقة، هناك أيضا كراء مكبرات الصوت التي يفوق حجمها حجم ثلاجة كبيرة وأجرتها قد تصل إلى 5 ملايين.
أما سهرة العرس فغالبا ما ينشطها مطرب لا يفاوض على مبلغ أقل من 50 مليونا للسهرة، في حين أن سعر كراء قاعات الحفلات الرخيصة التي يلجأ إليها الزوالية يقدر بـ 10 ملايين، حيث تتفاوت الميزانية اعتمادًا على عدد الحضور ونوعية الخدمة المطلوبة، ونوعية التجهيزات المتوفرة في الصالة والموضوعة تحت تصرف أصحاب العرس، بينما تحتسب الفنادق فاتورة العرس حسب عدد الكراسي والعشاء المقدم للمدعوين.
وما زاد من غلاء أسعار كراء قاعات الحفلات هو عدم ارتفاع الطلب على قاعات الحفلات، في موسم الصيف الأمر الذي يجعلها جميعا مشغولة طيلة أيام الصيف.
الزوالية غير "معروضين" حتى وإن كانوا من أقرب المقربين
مما جعل تواريخ الأعراس تضبط حسب أجندة قاعة الحفلات والكثير من الأعراس تتأجل بسبب عدم توفر قاعات شاغرة. ويتراوح عدد المدعوين في أعراس بعض الأثرياء لا يقل عن 1000 مدعو، وتركز العائلات المترفة في أعراسها على دعوة العائلات الثرية فقط وعائلات "اللاتيتشي" حتى وإن كانت تربطها بها علاقة بعيدة، وكذا عائلات الأصدقاء التي يشغل أفرادها مناصب مسؤولة في الدولة أو مدسري لشركات كبرى، ومديري الشركات التي يعمل فيها أفراد العائلة، فالمستوى الإجتماعي للمدعوين ومكانتهم وطريقة لباسهم، والمناصب التي يشغلونها، تعتبر أهم المعايير التي تركز عليها العائلات الثرية، في انتقاء مدعويها، في حين يتم استثناء الأقارب والأصدقاء "الزوالية"، حتى وإن كانوا من كانت تربطهم بهم صلة قرابة أو مصاهرة، وذلك لتجنب الحرج الذي قد يسببونه لأصحاب العرس أمام مدعويهم المترفين، خاصة وأن المدعوين الأثرياء، يتنافسون في عرض الفساتين الراقية، والمجوهرات، ويكتب جميع المدعوين اسمهم على الهدية التي أحضروها حتى تعرف العائلة هديتهم.
عدوى الإسراف انتقلت "للزوالية" تحت شعار الاستدانة أهون من كلام الناس
والغريب أن مظاهر الإسراف في الأعراس لم تعد تقتصر على العائلات الثرية بل حتى أبناء وبنات الطبقة المتوسطة أصبحوا يقيمون الأعراس في قاعات حفلات يستأجرونها بـ 30 مليونا و40 مليونا مع إحضار المسامعية والزرنة والعود والآلي ونقل العروس في سيارة ليموزين، حتى وإن كانت حالتهم المالية لا تسمح بذلك، والمهم بالنسبة لهم هو الظهور بمظهر مشرف ليلة العرس، وحتى وإن كلفهم ذلك إغراق العريس ووالده في الديون من خلال اللجوء إلى الاقتراض، والمشكلة أن الأم والأخوات يقومون بدور المحرض، ورفع نفقات العرس بنفقات لا ضرورة لها سوى للتباهي والتفاخر الكاذب، وباعتبار أن المشكلة تكمن في توجهات العائلات نحو التفاخر والمباهاة، فالاستدانة عند تلك العائلات أهون من كلام الناس.
ويحرص أهل العريس على إحضار كعكة خطوبة عملاقة بعشرة طوابق لإجراء مراسيم الخطوبة، في حين تحضر بعض العائلات المترفة كعكة خطوبة من 15 طابقا، ليتباهوا أمام أهل العروسة، وليثبت العريس لعروسه أنه مستعد ليدفع الغالي والنفيس من أجلها، وأنه يحبها، ويريدها، وعليه أن يأخذ عروسه في سفرية لقضاء شهر العسل حتى وإن كان ذلك إلى إحدى المدن الساحلية في الجزائر، وإذا لم يحضر كعكعة خطوبة عملاقة أو لم يأخذها لقضاء شهر العسل خشية أن يقول عنه المدعوين وأهل العروس بأنه لا يحب عروسه أو أنه بخيل.
أما الزوالية الذين يحاولون التباهي في العرس والظهور بمظهر مشرف، فإن العروسين لن يستفيقا إلا بعد نهاية شهر من "العسل" عندما لا يجدان ما يأكلانه، وعندما يبدأ الأصدقاء والأقارب يطالبونه بإرجاع الديون، الجزار مدين، والخضار مدين، والخباز مدين، وبائع الملابس، والمجوهراتي مدين... كل محلات الحي الذي يسكن فيه أخذ منها أغراض بالكريدي للعرس.
غير أن فرحة العرس تنسي الناس عواقب الإسراف وهموم الديون، ولا يستفيق الشاب إلا حينما يواجه الموقف الصعب بعد أول شهور الزواج، وقد يصدم حين لا يجد ما يطعم به زوجته، بعدما رهن راتبه بسلفيات للأصدقاء والمعارف. وما زاد من نفقات الأعراس ارتفاع سعر الذهب الذي وصل إلى 6000 دينار للغرام، ليقارب بذلك سعر الأحجار الثمينة.
وأوضح مسيرو قاعات الحفلات الذين تحدثت معهم "الشروق اليومي" أن أحيانا يشترط أهل العريس ديكورا خاصا في قاعة الحفلات ويضيفون أطباقا أخرى ليست من الأطباق التي تقدمها العائلات الجزائرية عادة في الولائم، قصد التباهي أمام المدعوين، مع مطالبة صاحب القاعة بتوفير أطباق وصحون مي مميزة لتقديم الأكل، وتوفير الخدم والحشم للمدعوين.
موكب العروس من 50 سيارة مرسيدس
وينتهي العرس بموكب العروس الذي يتضمن سيارة ليموزين أو كاليش بالأحصنة مع المرور على الطريق العمومي بسيارات تسير بسرعة منخفضة جيدا ليتمتّع العريس والعروسة بأخر لحظات العزوبة، وقد يصل موكب السيارات إلى 50 سيارة أو أكثر كلها سيارات مرسيدس وتكون أحيانا محاطة بموكب من الدراجات النارية بعيارات مختلفة مما يوفر جو من الحماسة، ويتعمد سائقوها إشعال الأضواء وإطلاق أصوات الغناء الراقص، ونزول العروس والعريس والتقاط صور تذكارية، وكأنهما يصوران فيلما شهيرا، بحضور الأقارب والأصدقاء، من تصوير ورمي الزهور على المدعوين على الطريقة المسيحية، وإطلاق المفرقعات والرش بالعطور التي يزيد سعر القارورة الواحدة منها عن 2 مليون.
ولا ينتهي كل ذلك بانتهاء العرس بل يأتي بعد ذلك "فطور العروسة"، حيث يصل الإسراف في تحضيره إلى درجة الجنون، ليبدو وكأنه عرس آخر، حيث تحرص العائلات الثرية على التنويع في الأكل، وطهي كل أنواع اللحوم وتزيينها الأطباق وعرضها في صور تبدو وكأنها لوحات تصويرية وليست أطباقا للأكل، في حين ينتهي عرس الزوالية بتحمل تبعات الاقتراض فقد لا يتقاضى العريس راتبه كاملا لمدة سنة أو سنتين لأنه أخذ قرضا من المؤسسة التي يعمل فيها.