يوما بعيد يوم
يتأكد للقاصي والداني الأهمية القصوي للحفاظ علي وحدة وكيان الأسرة وضرورة
عدم خروج روائح وتبعات المشاكل والمنغصات عن جدران غرفة النوم ، فنظرة
عابرة ستكشف ان جميع أطراف النزاعات الأسرية المدمرة خاسرون بداية من الزوج
الذي سيهجر العش الذي ألفه والزوجة التي سكن اليها ، ربما الي هاوية تعصف
بشخصيته او ندم يمزق داخله .
اما الزوجة المنفصلة فخسارتها دائما افدح ، فنظرة المجتمع الشرقي خصوصا
للمرأة المطلقة تتسم بالوجوم وطرح آلاف التفسيرات السليمة حينا والخاطئة
مئات الاحيان ، فيكتب عليها ان تقضي باقي عمرها حبيسة الشائعات والمحاولات
المتدنية لاقامة علاقات غير مشروعة ، وعلي احسن الظن ستفوز بزوج ارمل يعول
أبناء غالبا ما يمونوا احوج الي دار حضانة منها الي زوجة اب مكروهة بالفطرة
والغريزة ، او مطلق عابث يبحث عن معذبة جديدة ينفث فيها رجولته التي ازهقت
سابقتها.اما الضحايا الضائعون في حوادث انهيار العلاقات الزواجية ـ وهم
اساس قضيتنا ـ الأطفال الذين يترنحون بين زوج ام قاس لا يعترف بطفولة او
حتي حقوق انسانية لغير ابنائه فكل الرعاية والانفاق تذهب علي كأس من فضة
لهم في حين يكيل جميع صنوف الحرمان والخشونة لأبناء الزوجة ، والأمر لا
يختلف كثيرا بالنسبة زوجة الأب التي تتفنن في تشويه براءتهم ، حيث ان هناك حقائق وإحصائيات عن التغيرات الاجتماعية وأثرها على
الأسرة "إن 90% من حالات إيذاء الأطفال ناتجة عن سوء
معاملة الأم و الأب المنفصلين ، حيث تأتي في المرتبة الأولى من وسائل إيذاء
الأطفال ثم التحرش الجنسي ثم الإهمال.
تم طرح تساؤل بخصوص كيفية تحول دور الأسرة المساند قديماً
للمسجد والحي إلى دور مختلف؟ لماذا تغيرت ملامح الأسرة وإرادتها القوية في
المحافظة على كيانها وعلى نظام القرابة كضابط اجتماعي لاستمراريتها
كما إن التفكك الأسري وعدم الترابط ينعكسان بشكل سلبي على الأطفال في
الأسرة وتساهم هذه الحالة في بناء مجتمع مفكك نظراً لمعاناة أطفاله وقد
أجرى الباحثون بجامعة بنسلفانيا الأمريكية دراسة ميدانية شملت حوالي مائتي
أسرة تضم أطفالاً ما بين الصف الأول والرابع الابتدائي لتقييم مدى تأثير
تصرف الوالدين وعلاقاتهم الأسرية على نمو الطفل، حيث وجد الباحثون أن ضغوط
العمل والمشكلات الأسرية وما ينجم عنها من أزمات نفسية للأطفال، يمكن أن
تعرقل وسائل التواصل النفسي بين الأبوين وأطفالهم حسب ما يري الباحث.
وهؤلاء الأطفال الذين ينشؤون في هذا المناخ ينطوون في سلوكهم على انحراف
كامن حين يجد الفرصة سانحة في أي زمان أو مكان عبر عن نفسه وصار سلوكاً
ممارساً ملموساً في تصرفات حياتية".
فقد حدد علماء الاجتماع بعض المخاطر لانهيار العلاقات الزواجية من بينها :
1- خروج جيل حاقد على المجتمع لفقدان الرعاية منه.
2- وجود أفراد متشردين في المجتمع.
3- انتشار السرقة والاحتيال والنصب.
4- تفشي الجريمة والرذيلة في المجتمع.
5- زعزعة الأمن والاستقرار.
6- عدم تماسك المجتمع في الملمات.
7- عدم الشعور بالمسؤولية.
8- انحطاط أخلاقيات المجتمع.
9- عدم احترام سلوك وعادات وأعراف المجتمع.
10- تدهور سمعة الأمة وهيبتها.
إن التغيرات العالمية أحدثت تغيراً في المجتمع بتحديث قيمه وظهر التنافس
بين أفراده عامة وبين الأزواج بشكل خاص والأخير مختلف عن التنافس التقليدي
الذي يوجد طبيعياً بين الأزواج إذ إن أشكال التنافس كما يحددها الدكتور
حسان المالح استشاري الطب النفسي بجدة في قوله: "يأخذ التنافس أشكالاً
ظاهرة واضحة أو غامضة غير مباشرة، وذلك وفقاً لشخصية الزوجين وظروفهما..
وفي العلاقة الزوجية التقليدية حيث يعمل الرجل خارج المنزل وتعمل المرأة
داخله يأخذ التنافس والصراع أشكالاً تختلف عنها في العلاقات الزوجية
الحديثة حيث يعمل الطرفان خارج المنزل.
ومن أمثلة التنافس في العلاقات التقليدية الخلاف حول الطبخ والطعام وجودته وإتقانه..
مشكلاتنا العائلية وأسبابها:
المشاكل
في كل البيوت نتيجة احتكاك الأفراد وهي غالباً تكسر حدة الملل والروتين
وتنشط العلاقات الإنسانية إذا ما تعاملنا معها بإيجابية ولكن هناك بيوت
تصرخ وأخرى باردة وصامتة لماذا؟ يمكن تقسيم أسباب المشاكل العائلية إلى
ثلاثة محاور:
أ- من وجهة نظر الرجل:
1- عدم تقدير الزوجة لأعباء زوجها وواجباته الاجتماعية "طبيعة عمله".
2- عدم مراعاة الزوجة لأوضاع زوجها المالية.
3- اختلاف ميول الزوجة ورغباتها عن الزوج.
4- إهمال المرأة لشؤون الأسرة.
ب- من وجهة نظر المرأة:
1- تدخل الزوج في الشؤون البيتية أكثر مما ينبغي.
2- بقاء الزوج فترة طويلة خارج المنزل.
3- رغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين أو الاختلاط في المجتمع المحيط.
4- النظرة الدونية للمرأة.
5- التلفظ أمام الأطفال بكلمات غير لائقة.
6- انخفاض المستوى الثقافي والاجتماعي للزوج مقارنة بالزوجة.
7- عدم إعطاء الزوجة الحرية أو الثقة في تصرفاتها الشخصية.
8- عدم تعاون الزوج في توفيق الزوجة بين العمل ومتطلبات الأسرة.
ج- أسباب مشتركة:
تحكيم العاطفة أو المصلحة المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة، سوء فهم كل
من الزوجين لطباع الآخر، الاختلاف المستمر في الآراء ووجهات النظر،
المشكلات الجنسية والعاطفية، تباين أسلوب كل منهما في تربية الأبناء،
المسائل المادية، كذب أحدهما على الآخر، تدخل أهل الزوج أو الزوجة في كل
صغيرة وكبيرة تتعلق بالأسرة، العناد، الغيرة الشديدة، الأنانية، فارق
العمر، انعدام الحوار، الرغبة في إنجاب الكثير من الأبناء، عدم تحمل
المسؤولية، عدم فهم كل طرف لشخصية الآخر، افشاء أسرار البيت، انفاق المال
في غير محله، العمل المرهق خارج المنزل، التسلط، الخيانة.
هذه الأسباب وغيرها هي مربط الفرس حين يعيها الزوجان ولكن السؤال من الذي
يمكن أن يتدخل لتوعية قطبي الأسرة بالمشاكل والحلول، هنا مربط الفرس ففي ظل
هذه التغيرات التي حدثت للأسرة فإننا لا نجد نشاطاً من مؤسسات المجتمع
للاهتمام بها فالمراكز الأسرية الحكومية المنوطة بهذا الدور مفقودة لدينا
وأرجو ألا نوكل إلى الجمعيات الخيرية هذا الدور التخصصي فلديها من
المسؤوليات ما يكفيها فضلاً عن توجهها مؤخراً إلى الاهتمام بالأنشطة
الثقافية ودورات تدريب اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي.
إن مشاكل الأسرة لدينا تتفاقم وقد تبدلت نوعية القضايا التي تطرح في
المحاكم وكذلك كيفية صدور الأحكام لقد تغيرت مفاهيم الناس نحو صياغة
العلاقات الإنسانية (في الأسرة أو مجال العمل).
وعند سؤال أي قاض اليوم فإنه سيتحدث بما يسمعه ويراه كل يوم من مشاكل بين
الزوجين كان بالإمكان أن تمر بقنوات أخرى لحلها قبل الوصول إلى القضاء
ووقوف الزوجين أمام المحكمة.
كيف هو التوازن؟
لا بد للمؤسسات
المجتمعية من النهوض بوعي الأفراد نحو تأكيد قيم التعاون والمحبة والمودة
والسكن ومعرفة الأمور النفسية الداخلية التي تدفع الناس إلى التنافس مما
يساهم في ضبط النفس والمشكلات والصراع، ضمن الحدود المقبولة الإيجابية
والتي تساعد على البناء والازدهار ولا بد لوزارة العمل والشؤون
الاجتماعية أن تلتفت إلى إعداد برامج تعمل على ترقية الأسرة وتنميتها عن
طريق تمكين الأسرة في عمومها من العيش في رغد وسد كافة احتياجاتها دون
معاناة وهو الدور المعتاد ولكن يبقى دورها مهما في إنشاء وحدات إرشاد أسري
في الأحياء وإن كانت مثلاً تابعة للوحدات الصحية إلا أن دورها ليس صحياً.
وقد دعا د. الفوزان إلى التفاعل الروحي بين أفراد الأسرة ومحاولة حل
المشكلات التي تواجه الأسرة من غلاء المعيشة والبطالة ومشكلات
الإسكان وتفعيل دور صندوق التنمية العقارية ودور الجمعيات الخيرية للمساهمة
في دعم الأسر التي تواجه المزيد من حالات الانحراف والعنوسة
والسجون