أجبرت حرارة الصيف الشديدة وساعات الصيام الطويلة، الآلاف من الجزائريين على اللجوء إلى المساجد لتجنب لفح الهجير، وقضاء قسط من الراحة والخلود للنوم داخل المساجد، بشكل جعل المساجد تتحول في هذا الشهر الفضيل إلى مراقد جماعية يفر إليها الجزائريون فرادى وجماعات.
وكشفت جولة استطلاعية، عبر عدد من مساجد العاصمة، عن مدى انتشار ظاهرة النوم في المساجد خلال رمضان، حيث لا يكاد يخلو مسجد من عشرات النائمين يوميا ومن مختلف الأعمار شبابا وشيوخا وكهولا، طمعا في إزاحة ساعات صيام من نهار طويل حار وشاق، خصوصا وأن أغلب المساجد توفر هواء عليلا منعشا بعد أن تم تزويد أغلبها بالمكيفات والمراوح.
النوم في المساجد يبدأ قبل صلاة الظهر
بداية جولتنا كانت من مساجد باش جراح، فضلنا استباق صلاة الظهر، وبمجرد دخولنا مسجد أبي عبيدة عامر ابن الجراح وسط بلدية باش جراح، تراءى لنا العشرات من المواطنين مضطجعين في جنبات المسجد منهم من هو ممدد على يمينه والآخر على شماله، وذلك بالرغم أن صلاة الظهر ما زال يفصلنا عنها قرابة ساعة من الزمن، حيث غط العشرات في نوم عميق وصل بالعديد منهم إلى حد الشخير الذي امتزج مع قراءات خافتة تتلو كتاب الله.
تقربنا من أحد الشباب النائمين الذي استيقظ لتوه من النوم فسألناه عن سبب لجوئه إلى النوم في المسجد، فقال "إني أمارس التجارة في سوق باش جراح، تركت صديقي مع التجارة ولجأت للمسجد فالحر شديد في الخارج والعمل يتراجع وقت الظهيرة"، وأضاف "ليس من عادتي النوم في المسجد لكن الحر والصيام أجبراني على قضاء قيلولة قصيرة".
مكوثنا بمسجد أبي عبيدة بن الجراح ببلدية باش جراح استمر، حيث بقيت أعيننا ترصد النائمين في المسجد إلى غاية آذان صلاة الظهر، وكان بمثابة منبه أيقظ العشرات من النائمين الذين كانوا يغطون في نوم حقيقي، حيث هموا بالانصراف متثاقلين نحو بيت الوضوء للتوضؤ وتأدية صلاة الظهر.
ساعات الذروة بين صلاتي الظهر والعصر
وكشفت جولتنا الاستطلاعية عبر مساجد العاصمة بأن هروب الجزائريين نحو المساجد لتجنب لفح الشمس الحارقة يزداد بشكل كبير في الفترة التي تشتد فيها الحرارة ما بين صلاتي الظهر والعصر، حيث يفضل عدد كبير من المصلين الخلود للنوم والاستلقاء داخل المساجد المكيفة للظفر بساعات من الانتعاش والراحة، وهو ما وقفنا عليه بمسجد بن عمر بالقبة بمحاذاة ملعب بن حداد، حيث امتلأ مسجد بن عمر مباشرة بالنائمين ومن كل الشرائح العمرية وسارعوا للاستلقاء، بينما لم يكن بقية المتعبدين الذين فضلوا تلاوة ما تيسر من كتاب الله سوى قلة قليلة، وهذا دقائق قليلة فقط بعد انصراف المصلين من صلاة الظهر.
ويقول أحد الشباب المتطوعين في خدمة مسجد بن عمر والمواظبين على الصلاة فيه، بأن المسجد ومنذ الأيام الأولى لشهر رمضان عرف تناميا كبيرا لظاهرة النوم داخل المسجد، مشيرا إلى أن العشرات من التجار الذين يمارسون نشاطهم أمام المسجد يلجأون إلى المسجد مع اشتداد الحر، مضيفا بأن العديد من عابري السبيل من الذين لا يجدون مفرا من لهيب الشمس الحارقة وكذلك من العمال والبطالين والشيوخ، يلجأون إلى المسجد لقضاء قيلولة، فماذا عسانا نفعل والحر شديد وليس بإمكاننا منع الناس من النوم داخل بيت الله.
وكان وزير الشؤون الدينية والأوقاف أبو عبد الله غلام الله قد أصدر تعليمة يلزم فيها الأئمة بإبقاء المساجد مفتوحة خلال شهر رمضان ليلا ونهار، حتى يتسنى للمصلين والمواطنين التعبد وقراءة القرآن نهارا وإقامة صلاة التهجد ليلا.