"باعدوني لنفطر"، "ما تقلقونيش لنفطر"، مثل هذه العبارات "التهديدية" أصبحت مثل "شربة" رمضان بالنسبة لأشخاص ليس من صيامهم إلا الجوع والعطش، فكلما تعرضوا إلى موقف أثار زوابع أعصابهم، إلا واستخرجوا هذه الكلمة من "غمدها" ولوّحوا بها أمام الناس، وكأن صيامهم "يضوّي لبلاد" وينعش العباد ...!
"أرجوك.. لا تفطر"!
تراهم في الأسواق، في الحافلات، في الإدارات، ببساطة أينما تولي وجهك في رمضان تلمح وجوههم المتجهمة، وسرائرهم المنقبضة، وأعصابهم في حالة استنفار قصوى تنتظر أية إشارة "لاسلكية" لتنفلت من مكانها "فتشمّر" على ساعديها و"قدميها" وتدخل في عراك ينتهي بإفطار صاحبه قبل آذان المغرب "نكاية" في الأشخاص الذين تسببوا في إثارة أعصابه ، وهو ما يدفع بأصحاب "العقل" إلى عدم مجاراة مثل هؤلاء الأشخاص الذين يبحثون عن أي سبب "يجيز" لهم الإفطار حتى لا يتحملوا معهم الوزر وما أكبره من وزر، ذلك هو ديدن "السعيد ، بائع خضار في أحد الأسواق الشعبية، يقول في هذا الموضوع: "ابتلاني الله بجار في السوق يبيع الخضار مثلي، تكاد لا تمضي دقيقة واحدة حتى يعلن حربا، إما مع الزبائن الذين يطلبون منه أن يعفيهم من الخضار السيئة، أو مع جيرانه من الباعة الذين لا يطيب له أن يراهم يبيعون الخضار بأقل من أسعاره، مما يفسد عليه البيع كما يقول، ولأنني صرت محيطا بأعصابه التي كلما أقبل رمضان تضعضعت، أقوم بمسايرته حتى لا ينفّذ تهديده الذي غالبا ما يبدأه بقوله: "تحوسوني نفطر ولا كيفاش؟!"، فأتظاهر بالتضامن معه على الموقف الذي تعرض له، وأبدي أسفي على "عقلية" الناس، محاولا رده عن الإفطار، لأنه سبق وأن نفّذ هذا التهديد في رمضان الفائت، حيث قام بشرب الماء بعد أن أنهى عراكا مع جاره الذي اتهمه بأنه يستقطب الزبائن إليه بعد أن يتهم بضاعته بنوعيتها السيئة وسعرها المرتفع.
"أفطر إذا شئت"!
وإذا كان هناك أشخاص يغلبّون صوت الحكمة، ويرفضون أن يكونوا طرفا في التعدي على حرمة الصيام ولو بأضعف الإيمان، إلا أن بعض الأشخاص لا يهمهم إذا رأوا "مرمضنا" أطلق تهديداته طالما انه سيتحمل وحده وزر الإفطار في نهار رمضان، ومن ذلك "عصام"، وهو شاب في بداية العشرين، فكلما هاجت أعصابه وماجت، هدّد أمه التي أفرطت في تدليله بحكم انه الإبن الوحيد بين ثلاث بنات، بأنه سيفطر إذا لم تنفذ له طلباته أو تسايره فيما يصدر منه، ولأنها شربت من "تعنتره" حتى ارتوت، قرّرت أن تتركه "ينطح رأسه في الجدار" هكذا قالت، ففي اليوم الأول من رمضان، طلب منها مبلغا كبيرا لتجديد بضاعة محل الهواتف المحمولة الذي يملكه، إلا أنها رفضت أن تستجيب له، فهددها بأنه سيفطر مثلما كان يفعل في كل رمضان، فلم تمنعه كما كانت تفعل من قبل، بل قالت له بنبرة واثقة : "أفطر و لا أقعد" فأشعل سيجارة وشرب الماء فلم تحرك ساكنا، وفي اليوم الموالي أعاد طلبه و"أرفقه" بنفس التهديد فلم تبالي، فأفطر، إلا انه في اليوم الثالث امسك لسانه وراح يسأل عن كيفية التكفير عن ذنبه، فلم يسمع إلا من يقول له ينبغي أن تصوم شهرين متتالين عن كل يوم أفطرت فيه عمدا، فاستشاط غضبا، ولكنه قرّر أن يصوم بعد انقضاء رمضان دون أن ينسى أن يوجه الاتهام إلى أمه التي يقول أنها "أزته" على الإفطار بتعنتها!.